إحـياء ابن الأرملة ( لو 11/7-17) |
بقلم الأب روماني أمين اليسوعي |
ينفرد القديس لوقا بسرد هذا النص الإنجيلي أرملة كانت في يأس كبير إذ فقدت ابنها الوحيد ولم يبق لها من يعولها في هذه الحياة. ويظهر لنا لوقا الرب يسوع وكأنه رجل المستحيل أو بالأحري رجل قادر يستطيع صنع المستحيل . فمن له سلطان علي الموت غير الذي مات وقام؟ يضعنا الإنجيلي أمام وفدين من الناس أو حشدين من الناس: حشد في طريقه لدخول المدينة والحشد الآخر في طريقه ليخرج من المدينة. وفي واقع الأمر لا نعرف السبب الحقيقي وراء وجود كل فرد داخل الحشدين. حشد خارج من المدينة يودع شخص قد مات, ظروفه هو ابن لأم أرملة, وحيد, مصدر حياتها وفرحها ومع الحشد هي في طريقها إلي دفن آخر أمل لها. آخر رجاء. بسببه كانت تعيش وتغير لون الحياة تماما. أما الحشد الآخر فهو يسوع وتلاميذه وإناس كثيرون من كل النواحي تبعوه لأنهم ربما أكلوا الخبز وشبعوا , أو رأوا فيه الشخص الذي يمكن أن يخلصهم من عبودية الرومان. وإذ كانت الأمور تسير في هذا المنحني , فنحن في منتصف الحدث . الموت يتقابل مع الحياة وإذا بيسوع يمر بها ويتحنن عليها قائلا لها: ' لا تبكي'. جموع كثيرة كانت حولها ولم تستطع أن تغير من واقعها الأليم شيئا, شخص وحيد قدم لها ما تحتاجه نفسها الحزينة الكئيبة, قدم لها الحنان ودفء الحب والمواساة الذي يحتاجه كل إنسان. ونحن في حياتنا جموع كثيرة (زملاء, أهل, أبناء, أصدقاء, زوج زوجة...) وكلهم ربما لا يستطيعون أن يقدموا لنا العون الحقيقي الذي تحتاجه نفوسنا, شخص وحيد هو الذي تحنن علي الأرملة, يستطيع أن يتحنن علي كل واحد فينا ويساعدنا في العمق, وأهم ما تحتاجه نفوسنا هو التغيير الداخلي في أفكارنا وأولوياتنا وميولنا وأهداف حياتنا, لكي ننتقل من الحزن إلي الفرح, ومن القلق إلي الطمأنينة, ومن الكآبة واليأس إلي الرجاء والأمل, ومن الحقد إلي المسامحة, ومن الشر إلي الخير والصلاح. المسيح عابر دائما في حياة كل منا, يأتي يسوع في عنائنا اليومي وعلينا فقط أن نراه, أن نلحظه, أن ننتبه إليه ونعطيه من وقتنا بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس. إنه عابر بقربنا عندما نخسر مالنا بالفقر, أو صحتنا بالمرض, أو أحباءنا بالموت, فلا نحزن ولا نيأس فهو قادر أن ينهضنا من معاناتنا كما أقام هذا الشاب الميت. إن شعور يسوع بالشفقة دليل علي أنه كان إنسانا مثلنا, لـه في نفسه شعورنا الإنساني أمام مصائب الناس وأحزانهم. فقد بين هو نفسه بأساليب مختلفة أنه إنسان مثلنا بكل ما في هذه الكلمة من قوة ومن معني فقد جاع وأكل وعطش فشرب,تعب فنام حزن فبكي وتألم ومات ثم قام. إن إنسانية يسوع عقيدة عبر عنها يوحنا الإنجيلي بصراحة في مطلع إنجيله فقال: ' والكلمة صار بشرا وسكن بيننا ' (يوحنا 14/1) . فكل من شهد ليسوع بأنه قد جاء بالجسد كان من الله , وكل من رفض أن يؤدي هذه الشهادة لم يكن من الله . ويسوع هنا في هذا النص إنما أشفق كإنسان وأقام ابن الأرملة كإله. برجوعنا لفصلنا الإنجيلي اليوم تأكيد من لوقا علي أن يسوع, الذي كان أظهره الله 'مسيحا وابنا لله ' (لوقا 1: 32-35) , و'ربا' (لوقا2: 11), نبي عظيم أرسله الله ليفتقد به شعبه, ولإظهار هذا يقيم لوقا موازاة بين حادثتي إنهاض شاب من الموت تمت الأولي مع إيليا في بيت أرملة من صرفة صيدا (1 ملوك 17: 10, 17-24), والثانية مع يسوع في مدينة اسمها نائين. نري الموازاة بين الروايتين هكذا: ' تمت الأولي في صرفة صيدا, والثانية في مدينة نائين, وكلتاهما تقعان ضمن منطقة فيها أمم أي وثنين وغير مؤمنين. أم الشاب في الروايتين أرملة. إيليا في رواية كتاب الملوك الأول يأتي إلي باب المدينة ليلاقي أرملة صرفة صيدا (ملوك17: 10), ويسوع في رواية لوقا يقترب إلي باب مدينة نائين ليصادف ميتا محمولا (لوقا 7: 12). في الرواية الأولي يقال عن إيليا أنه سلم الولد إلي أمه بعد أن عادت روحه إليه (1ملوك 17: 23) , وكذلك يقال عن يسوع: ' فاستوي الميت وبدأ يتكلم فسلمه إلي أمه' (لوقا 7: 15). وفي نهاية الروايتين اعتراف بأن الذي أتم المعجزة نبي من الله. هذا التشابه القوي بين الروايتين دليل علي أن لوقا أراد أن يظهر يسوع نبيا عظيما كإيليا. ولا يخفي علينا أن لوقا سبق وأشار في مواضع سابقة إلي وجوه شبه بين يسوع وإيليا (لوقا 4: 25 - 30). غير أن لوقا, كما سبق القول, لا يري في يسوع نبيا فقط, بل أكثر من ذلك, وقد وصفه في هذا الفصل عينه بأنه 'رب' في قوله 'فلما رآها الرب تحنن عليها '. يدل هذا علي أن لوقا لا يري في يسوع صورة إيليا بل في إيليا صورة سابقة ليسوع. ذلك أن صفة يسوع النبوية صفة فريدة , فهو وحده المخلص, وهو الذي تحنن علي الأرملة كما يتحنن الله نفسه في العهد القديم علي شعبه, ويقيم ابنها من الموت بأمر منه, في حين أن إيليا يطلب من الله أن تعود روح الصبي إليه. معني هذا أن يسوع وحده يبلغ بالقول والفعل الخلاصي إلي كماله الأخير . شاب نايين الذي أقيم هو كل منا, هو نفوسنا المحمولة في هذا العصر علي نعش القلق والاضطراب والقلاقل والحروب, والشقاء في سبيل تأمين لقمة العيش, لكن من مات وقام في اليوم الثالث والحي إلي الأبد قادر أن يقيمنا نحن أيضا. الله محبة , يعتني ويهتم بنا كأب, فلنضع رجاءنا علي عنايته اللامحدودة بنا, ولنتشجع ولنودع أنفسنا محبته السخية, وعندئذ سنراه بقربنا باستمرار. اليوم إذا نتعلم أن الرب يتحنن! إنه الإله المملوء حنانا ومحبة, فلنثق به ولنقترب إليه لنأخذ منه حبا وتعزية, وهلم نتحنن نحن أيضا, فنعزي بدورنا الذين يتألمون في هذا العالم, هلم نكن أذنا مصغية للنفوس المتعبة, ووجها ينقل البسمة إلي القلوب الكسيرة, ويدا تخدم الإنسانية الجريحة وتزرع الحب والأمل والرجاء في النفوس الحزينة .
|