نتأمل اليوم مزمور54 وهو أحد المزامير السبعة التي أطلق عليها القديس أغسطينوس اسممزامير الطريد(هي7, 34, 52, 54, 56, 57, 142)كتبها داود أثناء هروبه من مطاردات الملك شاول له متنقلا من بلد إلي بلد,ومن كهف إلي كهف,وحتي إلي بلاد الفلسطينيين.وقد اعتادت الكنيسة أن تقرأ هذا المزمور يوم الجمعة العظيمة. في الآيات الثلاث الأولي في هذا المزمور نجد صلاة لطلب الإنقاذ,يرفع فيها داود لله ثلاث طلبات: 1-طلب الخلاص:اللهم باسمك خلصني(آية1أ).يدل الاسم علي القدرة,فاسم الشخص يحمل قدرته وسلطانه وصفاته المعلنة.ويتوجه المرنم إلي الله صاحب هذه الصفات العظيمة ليخلصه,فإناسم الرب برج حصين,يركض إليه الصديق ويتمنع(أم18:10).الرب إلهك في وسطك جبار يخلص(صف 3:17).والله يخلص الخاطئ بأن يمنحه الغفران(1تي2:4),والمجنون بأن ينقذه من الشياطين(لو8:36),والمتضايق بأن يهبه الإنقاذ(مز27:1-3).فالخلاص شامل,يغطي كل نواحي حياة الإنسان,ولذلك طلب داود:اللهم باسمك خلصنيمن يد شاول والزيفيين الذين وشوا بي,وأرادوا أن يسلموني له(1صم23:19). 2-طلب العدالة:بقوتك احكم لي(آية1ب).لجأ داود في هذه الطلبة إلي الله كقاض أمين يحكم بعدالته,وينفذ أحكامه بقوته.كان داود واثقا من براءته,ومتأكدا من ظلم شاول والزيفيين,فلجأ إلي الله لينقذه وينجيه,عالما أن نجاة الله تأتي بقوة وبهدوء يذهلان الجميع,كما حدث مع بطرس الذي لم يصدق المؤمنون أنه نجا من سجن هيرودس(أع12:16). 3-طلب الاستجابة:اسمع يا الله صلاتي.اصغ إلي كلام فمي(آية2).لم تمنع الآلام ولا الضيقات داود من أن يلجأ إلي الله.كثيرون عندما يتضايقون يتذمرون أو يلومون الله ويمتنعون عن الحديث معه,أما الواثقون في محبته فيتقربون إليه أكثر في وقت الضيق,كما في وقت النجاح,فهناكهلاك يفسد في الظهيرة(مز91:6) عندما ينجح الإنسان,فيظن أنه قد ملك مقادير نفسه,وأنه قادر أن يسير سفينة حياته بيده.فلنلجأ للصلاة وقت الفشل كما في وقت النجاح,لأنهينبغي أن يصلي في كل حين ولا يمل(لو18:1).صلوا بلا انقطاع(1تس5:17).وليكن شعارنا:أما أنا فصلاة(مز109:4)فيكون لنا تواصل دائم بالله لا ينقطع أبدا,ولا نتوقف عن الحديث معه مهما كانت ظروف الحياة.ويطلب داود أن يصغي الله إلي كلماته فمه,بعد أن استجاب طلبته:لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يارب,صخرتي ووليي(مز19:14). وبقدم داود ثلاثة أسباب تجعله يطلب ما طلبه: 1-لأن أعداءه غرباء:لأن غرباء قد قاموا علي(آية3أ).لم يكن أهل برية زيف غرباء عن داود بحسب الجسد,فهم من سبط يهوذا,وأبناء عمومته.ولكنهم قاموا عليه لأنهم اغتربوا عنه بوقوفهم ضد قضيته,والوشاية به إلي شاول الذي من سبط بنيامين.وهذا ما فعله يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح سيده ومعلمه,فتمت النبوةآكل خبزي رفع علي عقبه(مز41:9).وقال المسيح لتلاميذه:سوف تسلمون من الوالدين والإخوة والأقرباء والأصدقاء(لو21:16).وكثيرا ما نتألم من أخ نتوقع منه المحبة فنجد منه الجفاء أو الخيانة,ونكتشف أن أعداء الإنسان أحيانا يكونون أهل بيته,لأنهم لا يدركون معني إيمانه(مي7:6 ومت10:36). 2-لأن أعداءه ظالمون:لأن عتاة طلبوا نفسي(آية3ب).العتاة هم الظالمون,الذين لم يكتفوا بأن يغتربوا عنه,ولكنهم هاجموه في قسوة لم يتوقعها.لقد أنقذ داود أهل مدينة قعيلة من يد الأعداء,مع ذلك عزموا أن يسلموه إلي شاول.فهل يكافأ الإحسان بالإساءة؟ومع أن الزيفيين عرفوا بالإنقاذ الإلهي علي يد داود,إلا أنهم أرادوا أن يسلمون لشاول!(1صم23). 3-لأن أعداءه أشرار:لم يجعلوا الله أمامهم(آية3ج).طلبوا نفس داود,ولم يدركوا خطة الله لحياتهم وحياته.وكل من يقاوم فاعل الخير,يقاوم أهداف الله,عن جهل أو عن شر,ولذلك كانت أول كلمة للمسيح علي الصليب:يا أبتاه,أغفر لهم,لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون(لو23:34).وفي الآيات 4-7من مزمور 54 يعلن داود ثقته في محبة الرب وعدالته,كما يعلن ثقته أن له صلة شخصية قديمة بالله. 1-الثقة في محبة الله:هوذا الله معين لي.الرب بين عاضدي نفسي(آية4).يعلن داود ثقته في الرب العاضد,الرافع,المعين,المساعد,الذي يهب النصر.ويدل وصف الله بأنهمعينوعاضدعلي تعاطف الله مع داود وإحساسه بتجربته.وكم منحنا الرب المساعدة عن طريق آبائنا,وشريك الحياة ومرشدينا الذين يعلموننا كلمة الله,وكل من يقدم لنا كلمة أو خبرا مفرحا عن الرب. 2-الثقة في عدالة الله:يرجع الشر علي أعدائي.بحقك أفنهم(آية5).يثق داود في قانون العدالة السماوية,فمن يخطئ لابد أن ينال عقوبته,وهو يلجأ إلي الله ليفعل هذا,عملا بالوصيةلي النقمة والجزاء...لأن الرب يدين شعبه,وعلي عبيده يشفق(تث32:35, 36). 3-الثقة في الصلة الشخصية بالله:أذبح لله منتديا.أحمد اسمك يارب لأنه صالح(آية6).الانتداب هو ما يقدمه الإنسان لله طوعا,والمعطي المسرور يحبه الله(2كو9:7).هناك ذبائح أمرت شريعة موسي بتقديمها,ولكن الذي يقدم ذبيحة منتدبا هو الذي يقدم غير المفروض عليه,وأكثر مما تأمر به الشريعة,ليشهد لصلاح الرب ورحمته معه. 4-الثقة في خلاص الله:لأنه من كل ضيقي نجاني,وبأعدائي رأت عيني(آية7).كم تعامل الله مع داود,وكم عاونه في كل المواقف السابقة,فوقف بينما سقط أعداؤه,وبثت بينما انهار مقاوموه.قال المسيح:أليس عصفوران يباعان بفلس,وواحد منها لا يسقط علي الأرض بدون أبيكم؟وأما أنتم فحتي شعور رؤوسكم جميعها محصاة(مت10:29, 30).فطوبي لمن يختبر خلاص الله لأنهإذا سقط لا ينطرح,لأن الرب مسند يده(مز37:24).فلنصل صلاة الواثقين متوقعين الانتصار.
|