انحرافات الشباب وجرائم الجنس |
للمتنيح الأنبا غريغوريوس |
الأخلاق قوة الأفراد والشعوب,فإذا انهارت الأخلاق في أمة, فقدت هذه الأمة سر قوتها وانحلت رابطتها,فتضعف وتنهار كما ينهار البناء الشامخ إذا سقطت أعمدته القائم عليها وعلي قول الشاعر العربي: إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإذا هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. كذلك الأمر في كل إنسان فرد, قوة شخصيته وكيانه وصحته..هي أولا في أخلاقه فإذا كانت أخلاقه قويمة فهو قوي وقادر...فإذا دخلت الخطيئة إلي نفسه دمرتها كما تدمر القنبلة الجسم...فتمزقها وتفتتها وتتركها أشلاء..فتفقد نفسه قوامها وكيانها والرابطة التي تجمع قدراتها وطاقاتها...فتتحول إلي ركام. هذا هو الفرق العظيم بين الفضيلة والرذيلة,والفارق الفاصل بين أصحاب الأخلاق الكريمة وبين ذوي الأخلاق المريضة. والشباب في كل أمه هم عمادها وثروتها وذخيرتها وقوتها.فإذا كان شباب الأمة كله علي خلق كريم,فبشر تلك الأمة بازدهارها وطول بقائها..فإ ذا كان شبابها سافلا هابطا منهارة أخلاقه.فأنذر تلك الأمة بخرابها وضياعها وقرب فنائها. يقول الشاعر العربي: علي الأخلاق خطوا الملك وابنوا فليس وراءها للعز ركن. وإن جوهر الأخلاق ولبها هو الطهارة واستقامة السريرة والسيرة ولما كانت غريزة الجنس في مرحلة الشباب أكثر وأوضح مما تكون في مراحل الحياة الأخري,فإن مسالك الشباب يبرز فيها عامل الجنس واضحا شديد الوضوح وإن كانت درجة هذا الوضوح تختلف ألوانها قوة وضعفا بحسب قدرة الشاب علي التحكم في هذه الطاقة التي يجدها وقد انفجرت في داخله دافعة دافقة فإذا لم يكن له رصيد غني من المعرفة والفهم واحترام القيم الدينية والروحية والأخلاقية فإنه يندفع في تصرفات هوجاء مدمرة لروحه ونفسه وذهنه وصحة بدنه.نعم إن كثيرين من الشباب المتدين يتحكم في هذه الغريزة الجنسية ويعمل علي تصريف طاقتها بوسائل التصريف المشروعة السليمة ومن بينها الزواج الشرعي ومن بينها أيضا وسائط أخري لاغني للمتزوجين وغير المتزوجين عنها وهـي مايسميه علماء النفس بالإعلاء والتسامي بالغريزة وذلك بصرف الاهتمام إلي العبادات والرياضات الروحية العالية وإلي بذل الطاقة في تحصيل المعرفة الذهنية والدراسة العلمية وصقل المهارات وتنمية الاستعدادات الفنية المختلفة وممارسة أنواع النشاطات ومن بينهما الرياضة البدنية بأنواعها..كل ذلك إذا شد الانتباه إليه اتجهت الطاقة الجنسية نحوه فتجد فيه مصاريف راقية لها.وقد لاحظ العلماء في تجاربهم علي الغريزة الجنسية عند الحيوانات العجماوات أنها أيضا يمكن تصريف طاقتها الجنسية والتحكم فيها بما يؤدي إلي فائدتها الصحية وإلي فائدة الإنسان منها.فحصان السباق يمنع عن أنثاه حتي تبقي له طاقته الجنسية فيصرفها في الجري السريع الذي ينفع الحيوان,فيزداد قوة واقتدارا ويصير أقدر علي منافسة غيره من الجياد..كذلك كلب الصيد يمنع عن الأنثي فيصبح أقدر علي الجري وعلي الصيد السريع. كما لاحظ العلماء في عالم الإنسان أن العباقرة والمبرزين بين العلماء والزعماء الدينيين والاجتماعيين والسياسيين,أصحاب الرسالات والاتجاهات والتوجيهات الفعالة في التاريخ..كل هؤلاء نجحوا علي الغالب في السيطرة علي الغريزة الجنسية وتصريف الطاقة في مسالك ومصارف طبيعية,أنقذتهم من الكبت كما خلصتهم من الإنحرافات الشاذة التي انحرف إليها آخرون,ممن لم يعرفوا كيف يتحكمون في الغريزة الجنسية ويسيطرون عليها,إذ لم تشغلهم قيم روحية أو ذهنية أو اجتماعية تحتل تفكيرهم وتشد انتباههم وتستثير اهتمامهم. وإذا كان أولئك قد نجحوا في التحكم في غريزة الجنس بإعلائها فإن كثيرين جدا من الشباب من الجنسين قد فشلوا في ذلك مما أدي بهم إلي صور بشعة من الانحرافات الأخلاقية والجنسية التي هبطت بهم عن مستوي إنسانيتهم وصاروا بها أدني كثيرا من الحيوانات العجماوات وصرنا نسمع ونقرأ عن رجل متزوج يطمع في امرأة أخري متزوجة.. قد أصابه ملل من زوجته فاشتهي أخري مرتبطة بزوج ويندفع نحوها وتندفع نحوه علي الرغم من رباط الزوجية القائم وحرمته التي تمنع كل منهما أن يخون هذا الرباط المقدس ويعتدي عليه..ولكنها شهوة الجنس في كل من الرجل والمرأة التي تبحث عن متنفس لها بهذا الوضع الشاذ المدمر لكيان المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية. ومن بين صور هذه الانحرافات الوصال الجنسي بين فتي غير متزوج وفتاة غير متزوجة يعيشان معا كزوجين من غير زواج شرعي يقره الدين وهو شبيه بنظائره بين الحشرات والحيوانات..وقد يبرر هؤلاء المنحرفون الشواذ تصرفاتهم بأنهم يخشون الزواج الشرعي وما يرتبط به التزامات وواجبات..فلماذا يتقيدون بزواج قد يفشل وتتخلف عنه مشاكل وقضايا لحفظ الحقوق؟...ولماذا لايعيشون أحرارا من كل قيود للإشباع الجنسي وحده بحيث يحلون العلاقة بينهم بمجرد الرغبة المتفقة أو المنفردة ومن دون التزامات تترتب علي تلك العلاقة أمام السلطة الدينية والسلطة المدنية.. ومن بين صور الشذوذ الجنسي التي كثرت, مباشرة الجنس أو الفعل الجنسي بين اثنين من جنس واحد..أي بين رجل ورجل بما يعرف باللواط أو مضاجعة الذكور, أو بين امرأة وامرأة أخري بما يعرف بالسحاق. وحقا إن تلك الصور الشاذة ليست جديدة كلها فمنذ القديم رأت البشرية في تاريخها الطويل بشرا سافلين اشتعلوا في نار الشهوات الجنسية وانحطوا بغريزة الجنس فأمست عندهم غاية لذاتها واستحقوا لذلك لعنة السماء والأرض لأنهم بذلك فقدوا إنسانيتهم وأضاعوا كرامتها. ولقد ذكرت التوراة أن هذا الفساد الأخلاقي الجنسي كان هو السبب في الطوفان الذي أغرق الله به الخليقة الأولي في زمن نوح,وذكر الكتاب المقدس عن سكان سدوم في زمن لوط أن رجالها كانوا يصنعون شرا عظيما بمضاجعة الذكور, حتي أنهم اقتحموا بيت لوط ليصنعوا هذا الشر بالملاكين اللذين نزلا في بيته في صورة رجلين وقد أصروا وألحوا علي ذلك علي الرغم من رجاء لوط إليهم لا تفعلوا شرا يا إخوتي فمد الرجلانالملاكانأيديهما وأدخلا لوطا إليهما إلي البيت وأغلقا الباب وأما الرجال الذين علي باب البيت فضرباهم بالعمي من صغيرهم إلي كبيرهم فعجزوا عن أن يجدوا الباب..وقال الرجلانالملاكانللوط: من لك أيضا هاهنا.. أخرجهم من هذا الموضع فإنا مهلكان هذا الموضع إذ قد عظم صراخهم أمام الرب وقد أرسلنا الرب لنهلكه فأمطر الرب علي سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماءالتكوين19:1-24. ويشبه هذا ما حدث لمدينة بومبي بالقرب من نابولي بإيطاليا فقد كانوا أشرارا يرتكبون أنواع القبائح والشرور وكانوا مشتعلين بالشهوة الجنسية وكل ضروب الشذوذ الجنسي ففي ليلة واحدة أنزل الله عليهم سخط غضبه فانفتحت عليهم حمم من نار بركان الفيزوف فأحرقهم جميعا ولم يبق منهم أحد وظلت أطلال الفيزوف إلي اليوم تحكي لكل من يزور المدينة الخربة قصة الفساد الأخلاقي والشذوذ الجنسي وما يجره علي أهله من غضب السماء. ويقول الكتاب المقدس لأن عاقبة تلك الأمور هي الموترومية6:21. وأما الزني وكل نجاسة..لايذكر ولا اسمها فيما بينكم علي ما يليق بالقديسين..فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس..ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله...لأنه بسبب هذه الأمور يحل غضب الله علي أبناء المعصية فلا تكونوا لهم شركاء..ولا تشاركوا في أعمال الظلمة بل بالأحري وبخوها فإن الأفعال التي يفعلونها سرا يقبح ذكرها أفسس5:3-12. ويقول أيضا إن مشيئة الله إنما هي قداستكم ذاك بأن تجتنبوا الزنا, وأن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة لا في هوي شهوة كالأمم الذين لايعرفون الله. أن لايتطاول أحد ويطمع علي أخيه في هذا الأمر,لأن الرب هو المنتقم عن هذه الأشياء كلها كما قلنا لكم من قبل وشهدنا به,لأن الله لم يدعنا إلي النجاسة بل إلي القداسة...1تسالونيكي4:3-7.ويقول أيضا:ليكن الزواج مكرما في كل شيء وليكن الفراش بريئا من الدنس فإن الفاسقين والزناة سيدينهم اللهالعبرانيين 13:4. إن غريزة الجنس هي غريزة حفظ النوع وجدت في الإنسان لتكون دافعة له إلي التكاثر حتي يبقي ولا ينقرض فإذا لم يحكمها ويضبطها لتسير في مسارها الطبيعي بالزواج الشرعي لولادة الأولاد وتكوين أسرة ومجموعة أسرات هي لبنة المجتمع الكبير..أو إذا انحرف بها الشباب,وجمح بها فأمست الشهوة الجنسية غاية لذاتها يعب منها بغير حساب ومن دون ضابط ومن غير عقل..قادته الشهوة إلي الجنون وإلي الفساد فالدمار..الدمار لحياته والدمار للأسرة بمعناها الضيق والأسرة البشرية بمعناها الواسع في الوطن أولا وفي العالم كله بعد ذلك. إننا نهيب بالشباب أن يهرع إلي الله وإلي الدين وضوابطه الأخلاقية ونصائحه الروحية, وأن يحكم غريزة الجنس بالورع والتقوي ومخافة الله, وأن يمنع نفسه عن المثيرات وعن الأجواء المفسدة للعقل والذهن والقلب, مما يلهب إحساساته وغرائزه الدنيا وأن يشغل عقله وقلبه بكل ما ينفعه ويبني شخصيته ويتسامي بغريزة الجنس,وأن يتعالي بها وذلك بتصريفها في اهتمامات روحية وذهنية واجتماعية وممارسة الرياضة البدنية وسائر النشاطات التي تملأ وقته وتملك عليه مشاعره فلا يبقي في حياته فراغ تستغله شهوة الجنس. ونهيب برجال الدين والمربين والمصلحين الاجتماعيين أن يخاطبوا الشباب بتوجيهات نافعة وبانية لحياتهم وأن يعالجوا مشاكل الشباب بروح الأبوة كأطباء للروح والنفس. ونهيب بالحكومات وبكل من هو في منصب أن لايغفلوا الشباب من حسابهم, فيعملوا علي صيانتهم من أسباب الفساد, ومغريات الخطيئة وبهذا التكامل في الجهود نقدم للمستقبل شبابا طاهرا قويا مجملا بالفضائل. |