بقلم : قداسة البابا شنودة الثالث |
ليست الخدمة قاصرة علي الذين يعملون في مجال التعليم. إنما هي لازمة للكل ونافعة للكل. وتعتبر من الوسائط الروحية العامة.وهي مبدأ روحي عام يطالب به كل مؤمن:الكبار والصغار,المتزوجين وغير المتزوجين يكفي قول الكتاب: من يعرف أن يعمل حسنا ولايفعل,فتلك خطية لهيع4:17.فالخطايا ليست هي فقط السلبيات في تصرفات الإنسان إنما عدم عمل الخير يعتبر خطية.ولذلك فالإنسان الروحي هو الذي يعمل الخير باستمرار, كصورة لله الذي نصفه بأنهصانع الخيراتوكما قيل عن السيد المسيح له المجد إنهكان يجول يصنع خيرا1ع10:38فهل أنت كذلك؟ والخدمة علي أنواع:منها الاجتماعية,ومنها أيضا الروحية,وخدمات أخري كثيرة..ومن أجل ما قيل في الخدمة الروحية,قول الكتابمن رد خاطئا عن ضلال طريقه. يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايايع5:20وأيضا لاحظ نفسك والتعليم ودوام علي ذلك فأنك إن فعلت هذا ,تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا1تي4:16إذن هي خدمة تتعلق بخلاص النفس ما أمجدها!!والكتاب يقول نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس1بط1:9أما الخدمة الاجتماعية فمن سموها أيضا جعلها الرب ميزانا للدينونة في اليوم الأخير: إذ يقول للذين عن يمينه:كنت جوعانا فأطعمتوني,عطشت فسيقيتموني.كنت غريبا فأديتموني,عريانا فكسوتموني,مريضا فزرتموني محبوسا فأتيتم إليمت25:35-40ويشرح ذلك بقولهبما إنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر, فبي قد فعلتممعتبرا كل هؤلاء المحتاجين كشخصه تماما...ويقول الكتاب أيضاالديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه:افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقهم,وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالميع1:27 إذن هي أنواع عديدة من الخدمة وكل إنسان يخدم حسب النعمة المعطاة لله. ولايستطيع إنسان مطلقا أن يقول إن الله لم يهبه أية إمكانات للخدمة لابد أنه يستطيع أن يفعل شيئا...والإنسان الخدوم,اقصد الذي روح الخدمة,تجده يخدم في كل مجال :في البيت في مكان العمل أو الدراسة في الكنيسة,في الطريق,في النادي...مع كل أحد.إنه إنسان معطاء كل من يقابله لابد أن ينال من عطائه. والخدمة في جوهرها إن هي إلا تعبير عن الحب المختزن في القلب من نحو الله والناس. فالمفروض في كل مؤمن أن يحب الله من كل القلب والفكر والنفس. وهذه وصية منذ العهد القديمتث6:5وقد تكررت في العهد الجديد أيضامت22:37-39والمحبة ليست مجرد شيء نظري فالكتاب يقول:لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق1يو3:18والمحبة العملية تظهر عن طريق الخدمة فأنت تحب الله فتعبر عن محبتك له بنشر ملكوته بخدمة الكنيسة وخدمة الكلمة وأنت تحب الناس فتخدمهم بكل الوسائل المتاحة لك والنافعة لهم... الإنسان الروحي لايحيا لنفسه فقط... بل أن المثل المشهور يقول:ماعاش من عاش لنفسه فقط.إذن في الخدمة لابد أن تخرج من قوقعة نفسك لتلتقي بالغير. تخرج من مجالالأنالتشيع من حبك للكل وتشعر أن رسالتك في الحياة أن تفعل خيرا نحو كل من يدفعه الله في طريقك ..وكلما تكتسب خبرة في الحياة وسعة في القلب تتسع دائرة خدمتك .فلا تقتصر علي بيتك وأسرتك ولا علي أقاربك وجيرانك ومعارفك وزملائك وأصدقائك بل تصل إلي نطاقات أوسع وأوسع... وقد رأينا أنواعا من الخدمة تشمل المجتمع كله.وتتعداه إلي مستوي عالمي... فالهيئات العالمية مثل الصليب الأحمر وجمعيات الإسعاف والهيئات الدولية للاغاثة وأمثالها هذه التي تقدم معونة لكل من محتاج أينما كان,سواء في البلاد التي حدثت فيها كوارث طبيعية كالفيضانات مثلا,أو كوارث حربية أو مجاعات, تجد المعونات تصلها من بلاد بعيدة ربما ما كانت تعرفها من قبل,ولا كانت بينها وبينها صلة ولكنه الشعور الإنساني والمحبة نحو الكل,التي تهب من تلقاء ذاتها لإغاثة المحتاج. فإن كانت الهيئات العلمانية التي لاصلة لها بالكنيسة تفعل هكذا فكم بالأولي نحن؟! أنت مطالب أن تفعل شيئا من أجل أخيك الإنسان وقد أعطانا الرب مثال السامري الصالحلوقا10:30-37الذي أغاث وهو سائر في الطريق إنسانا,علي الرغم من وجود عداوة بين شعبه وشعبه ولكنها المحبة التي لاتعرف تفريقا. ولايقل أحد في نفسهلست مدعوا للخدمة!!كلا فأنت مدعو أن تحب الكل وتعبر عن محبتك بالخدمة أما الخدمة التعليمية فتحتاج إلي أن ترسلك الكنيسة رو10:15لأنه ليس كل إنسان صالحا للكرازة والتعليم... أسأل نفسك إذن: ما نصيب الآخرين في حياتي؟ إن التكريس يحتاج إلي دعوة. أما الخدمة العامة فلا تحتاج إلا إلي الحب, والدافع القلبي نحو خدمة الآخرين. وهذه في حد ذاتها دعوة قلبية. أتذكر في إحدي المرات سألني طبيب جراح عما يستطيع أن يعمله لأجل الآخرين فقلت له:علي الأقل عشر العمليات الجراحية التي تقوم بإجرائها لتكن للفقراء والمحتاجين وهكذا يكون لله نصيب في علمك وعملك وتعبر عن محبتك للفقراء بالتنازل عن بعض أجرك من مهنتك... المهم أن يوجد في حياة الإنسان,كل إنسان,عنصر البذل والعطاء... وهكذا تجد أن الخدمة قد أكسبتك فضيلة روحية هي الحب والعطاء والبذل وتكون قد استفدت من خدمتك...وقد تخدم الفقراء,وتجد أن الفقر أو الاحتياج,قد حول بعضهم إلي الكذب أو الاحتيال أو الغش للحصول علي ما يريدون فلا تتبرم بهؤلاء,ولاتيأس منهم ,ولا تتضايق ولايكون رد الفعل عندك هو أن تعاملهم معاملة سيئة ...ربما سمح الله لك أن تلتقي بهؤلاء لتتعلم الاحتمال روحيا لكي يتخلصوا من مثل هذه الطباع السيئة.وتكون أنت قد استفدت فضائل روحية فيما تخدمهم. إن الخدمة تقوي روحيات الخادم.كما أن روحيات الخادم تقوي الخدمة.فأنت فيها تعطي وتـأخذ...ولذلك نعتبر أن الخدمة من الوسائط الروحية,أن سلك فيها الإنسان حسنا فكما تعطي المخدومين حبا من قلبك كذلك يشبع قلبك حبا بهذه الخدمة. لاشك إن الإنسان الذي يخدم الأيتام أوالمرضي أو المعوقين أو الفقراء والمحتاجين عموما يشبع قلبه في هذه الخدمة بمشاعر عميقة تسمو بنفسه وتغنيه عن عواطف العالم الزائلة فإن العاطفة التي يكتسبها الإنسان من ملاقاه الألم والمعاناة هي أقوي بكثير من العواطف التي تقدمها مجالات اللهو والترف وهكذا أنت تأخذ في خدمتك أكثر بكثير مما تعطي مجرد شعورك إنك أسعدت إنسانا أو حللت مشكلة يفيض علي قلبك بمشاعر عميقة. وهناك ألوان من الخدمة,غير التعليم... كنت أعرف زميلا في مدارس الأحد منذ حوالي 45 عاما لم يكن له فصل في التدريس إنما كانت خدمته هي الافتقاد وحل مشاكل. الناس قبل أن تتعقد وأحيانا حل المشاكل المعقدة وكان يجد سعادة كبيرة في هذه الخدمة.وكان يري يد الله في كل مايحله من مشاكل أقصد في المشاكل التي يحلها الله علي يديه.وكان يحكي لنا عن عمل الله حديثا روحيا ممتعا جدا... إذن من الفوائد التي تتركها الخدمة في حياتك: الخبرات الروحية... إنه شرف عظيم لك في الخدمة إنك تعمل مع الله. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس نحن عاملان مع الله1كو3:9.أنت في الخدمة تعمل مع الله ويعمل الله معك ويعمل فيك ويعمل بك وفي كل ذلك تري عجائب من عمله وتلمس كيف تتدخل يد الله فتحل كل الأمور المعقدة أو تفتح لك بعض الأبواب المغلقة أو تقدم لك حلولا ما كنت تفكر فيها أو ترسل لك معونات من حيث لاتدري فتمجد الله في كل عمله أما الذين لايخدمون فأنهم يحرمون أنفسهم من كل هذه الخبرات ومن شركة الله في الخدمة. الخدمة أيضا تفيدك في أنها مدرسة للصلاة... إنك كلما تخدم كلما تشعر أن هناك أمورا تحتاج إلي معونة ألهية فتتدرب علي الصلاة من أجلها. كما إنك تصلي لكي يبارك الله العمل ويدخل فيه ولايتركك وحدك كذلك تصلي لكي تكون خدمتك روحية وليست مجرد نشاط أو روتين أو مجرد عمل اجتماعي كذلك كثيرا ماتصلي مع المخدومين أو تدخلك الخدمة في اجتماعات صلاة وهكذا تتدرب علي عمل الصلاة. والخدمة عموما تدخل الإنسان في جو روحي...وهذا نافع له بلا شك إذ يجد نفسه في جو كنسي ومع أشخاص روحيين وملتزما بمباديء وقيم روحية وقد ويجد نفسه كذلك ملتزما بحياة روحية خاصة حتي يكون في خدمته قدوة للمخدومين أو علي الأقل لايكون عثرة لهم.بل يردد قول الكتاب: من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم أيضا مقدسين في الحقيو17:19السيد المسيح قال هذه العبارة بمعني وأنت تقولها بمعني آخر لتكون حياتك مقدسة في الخدمة ومثالا للمخدومين في كل عمل صالح.وقد تقول لله في صلاتك إن هؤلاء الناس يارب يحتاجون أن أكون متصلا بك باستمرار من جهتهم فأعطني أن تكون لي هذه الصلة بك ليس من أجلهم فقط.وإنما أيضا من أجل نفسي لكي ترعاني وترعاهم وتحفظني وتحفظهم, وليتني أكون جسرا صالحا يصلون به إليك أو أكون حاملا لهم أمامك في قلبي... وبهذا نجد أن الخدمة أوجدت لك صلة بالله وأصبحت هذه الصلة من ضروريات الخدمة وبالتوالي تصبح الخدمة أيضا ضرورة توصلك بالله باستمرار ولذلك استطيع أن اقول:غالبية الذين تركوا الخدمة فترت حياتهم...ولم تعد لهم الحرارة التي كانت لهم أثناء خدمتهم ولا الصلاة ولا العمق ولا الالتزام ..ولم تعد لهم الغيرة المقدسة التي كانت لهم ولا حتي الفضائل الاجتماعية التي صاحبت الخدمة.والخدمة أيضا ما تعطي فرحا أوسع لقراءة الكتاب المقدس وللمعرفة الروحية بوجه عام مع ما يصحب ذلك أيضا من تأمل ومن تفسير وبخاصة للذين يخدمون خدمة روحية أو تعليمية بكافة أنواعها وهكذا تكون من فائدة الخدمة تنمية المعرفة الروحية وربما المعرفة الدينية من نواح متعددة. وهذه المعرفة تأتي من مصادر كثيرة منها القراءة سواء قراءة الكتاب المقدس أو سير القديسين أو الكتب الروحية وتأتي أيضا من حضور الاجتماعات الدينية الخاصة بالخدمة..وكذلك مما يسمعه الإنسان في القداسات من فصول الكتاب ومن العظات وهذه المعرفة تدخل الإنسان في تدريبات روحية عملية وأن ترك الخدمة ربما يترك كل هذا بل قد يأخذ الإنسان ألوانا أخري من المعرفة...فيعرف مشاكل الناس ويعرف تفاصيل كثيرة عن النفس البشرية وما يجول فيها من مشاعر ويعرف حروب الشياطين وحيلهم ويعرف أيضا الحلول العملية لكل هذا إن كانت خدمته تتطرق أيضا إلي معالجة ما يتعرض له الناس من مشاكل داخلية وخارجية فإن لم يكن يعرف فعلي الأقل سيري كيف يتدخل المرشدون الروحيون أو الآباء في هذه المشاكل وكيف يحلونها وفي كل ذلك تزداد خبراته في الحياة. هناك أنواع من الناس لم يذكر لنا الكتاب خدمتهم أو تفاصيلها إنما كانوا يخدمون الخدام أو يقدمون الإمكانات للخدمة..نسوة كثيرات كن يتبعن السيد المسيحوبخدمته من أموالهن لو 8:3 وفي بداية الكنيسة الأولي تركت مريم أم مرقس الرسول بيتها ليكون أول كنيسة يجتمع فيها المؤمنون ويصلون كذلك ذكر لنا القديس بولس الرسول عن إكيلا وبريسكا والكنيسة التــي في بيتهما رو16:5وأيضاالكنيسة التي كانت في بيت تمغاس كو4:15 وشرح لنا التاريخ الخدمات العديدة التي يكون يقوم بها المعلم إبراهيم لجوهري وأخوه المعلم جرجس للكنائس والأديرة...ربما إناس لايخدمون القري لكنهم يتبرعون بعربة تنقل الخدام إلي هذه القري...أو يدبرون المكان أو يعدون المكان للخدمة أو أن يشتروا الأناجيل والبشائر والأجابي والصور والجوائز وما يوزعه الكاهن من صلبان وأيقونات أو يهتمون بالعمل الإداري للاجتماعات. كان يقومون بكتابة أسماء الحاضرين أو يعدون كشوف الغائبين لافتقادهم, وما إلي ذلك من الخدمات التي تبدو بسيطة ولكنها لازمة ونافعة علي الأقل هناك من يقومون بخدمة الصلاة من أجل الاجتماعات ونجاحها والمشاكل وحلها...وقد تكون لصلواتهم استجابة أكثر نفعا من خدمة الكلمة وتقتدر كثيرا في فعلها وتكون هي الخدمة المخفية التي تقوم علي أساسها الخدمة الظاهرة. المهم يا أخي أن تخدم... |